تقارير

أهمية دلتا النيل في اقتصاد مصر

لطالما كانت دلتا النيل حجر الزاوية في اقتصاد مصر، حيث تساهم بشكل كبير في مختلف القطاعات. اليوم، تمثل أكثر من نصف الأنشطة الاقتصادية في البلاد في الزراعة والصناعة والمصايد، وكذلك تساهم بحوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، فإن هذه المنطقة المنخفضة تواجه تهديدات خطيرة من ارتفاع مستويات سطح البحر وآثار تغير المناخ.

معالجة التحديات في المجتمعات الزراعية

بدأ فريق مختبر التسريع لدينا مشروعًا يهدف إلى دعم المجتمعات الزراعية الصغيرة في الدلتا (دلتا النيل) التي تواجه خطر فقدان سبل عيشها بسبب التغيرات البيئية. تعاوننا مع المركز البحثي الصحراوي وبرنامج المنح الصغيرة التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لاستكشاف إمكانيات “المحاصيل الذكية مناخيًا”.

التحديات الرئيسية المحددة في دلتا النيل

خلال زياراتنا الإثنوغرافية إلى الدلتا، كشفنا عن تحديين رئيسيين يواجهان المزارعين المحليين: ملوحة التربة والاعتماد على مياه الصرف الصحي للري في 60% من الأراضي الزراعية. تساهم هذه القضايا في تراجع غلة المحاصيل، مما يهدد استدامة المزارع الصغيرة.

لتعميق فهمنا، أجرينا مقابلات مع شركات الزراعة ومنظمات غير حكومية تعمل في تطوير الزراعة. وكشفت مناقشاتنا أن المزارعين الصغار غالبًا ما يجدون أنفسهم محاصرين في دوائر ديون طويلة الأمد، مما يفاقم الوضع بسبب الخيارات المحدودة في السوق والأسعار المنخفضة لمنتجاتهم.

فهم المشهد الزراعي في دلتا النيل

تحليل سلوكي للجهات الرئيسية

قمنا بتحليل أدوار التعاونيات الزراعية، ومؤسسات إدارة المياه، ونقابات المزارعين. أشارت نتائجنا إلى أن هذه المنظمات لا تسهم حاليًا في تسويق المحاصيل أو حل النزاعات المتعلقة بعقود الزراعة. بدلاً من ذلك، تركز هذه المؤسسات بشكل أساسي على القضايا الداخلية المتعلقة بندرة المياه وغالبًا ما تعاني من نقص الموارد.

تحليل اجتماعي واقتصادي لمجتمعات دلتا النيل

أجرينا مجموعات تركيز واستطلاعات لجمع رؤى حول الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات الضعيفة. ظهرت نموذجان رئيسيان للدخل هما: الدخل اليومي من الثروة الحيوانية والدخل الموسمي من الزراعة. يميل العديد من المزارعين إلى ادخار دخلهم الموسمي لتسديد الديون أو لتمويل أحداث حياتية كبيرة.

التعليم والوعي

تظهر اتجاهات مقلقة في تراجع اهتمام الخريجين الشباب بممارسة مهن في الزراعة، حيث ينظر إلى الزراعة عمومًا على أنها عمل شاق بأجور منخفضة. ومع ذلك، فإن المزارعين أصبحوا أكثر وعيًا بتأثيرات تغير المناخ، حيث حددوا موجات الحر، والرياح القوية، وملوحة التربة كتهديدات رئيسية لسبل عيشهم.

ديناميكيات السوق والفرص

تحليل سلسلة القيمة للمحاصيل الرئيسية

شمل استكشافنا تحليل ديناميكيات سلسلة القيمة للمحاصيل والمنتجات الحيوانية الأكثر ربحًا. برز القمح كأكثر المحاصيل وعدًا، بينما تم تحديد منتجات الألبان كأهم المنتجات الحيوانية.

تحديات إنتاج القمح

يطلب من مزارعي القمح تسليم إنتاجهم لطحن حكومي، مما يخلق احتكارًا حكوميًا يحد من وصول المزارعين إلى السوق. تعتمد الأسواق المتخصصة للقمح القاسي، الضرورية لإنتاج المعكرونة، بشكل كبير على الواردات، مما يترك مزارعي القمح المحليين بخيارات محدودة.

قيود المنتجات الألبانية

تؤثر العوامل الموسمية بشكل كبير على إنتاج الألبان، مما يؤدي إلى انخفاض الجودة والأسعار في الأشهر الصيفية. يعيق نقص وحدات البسترة الميسورة التكلفة وصول المزارعين إلى الأسواق الأوسع.

آفاق المستقبل: المحاصيل الذكية مناخيًا

استكشفنا المحاصيل الذكية مناخيًا التي يمكن أن تعزز الممارسات الزراعية المستدامة. لذلك أوصى المركز البحثي الصحراوي بعدة محاصيل مقاومة، من بينها الدخن اللؤلؤي والبانكم.

الدخن اللؤلؤي

يعتبر الدخن اللؤلؤي محصولًا صيفيًا مقاومًا يمكن أن يضاعف تقريبًا دخل المزارعين مقارنة بالقمح. كما أن طبيعته الخالية من الغلوتين توفر فرص سوقية إضافية، خاصة في القطاعات التي تهتم بالصحة.

البانكم

يعتبر البانكم حلاً محتملاً لنقص محاصيل الأعلاف، خاصة في الصيف، مع القدرة على زيادة دخل المزارعين اليومي بنسبة 50%. لذلك يعد هذا المحصول سنويًا ويقدم غلة كافية لتلبية الطلب على العلف، فضلاً عن خلق فرص زراعية تعاقدية.

الخاتمة: مسارات نحو الاستدامة

اختتمنا تحقيقنا باستكشاف استراتيجيات دخول السوق للدخن اللؤلؤي والبانكم من خلال مقابلات مع الجهات المعنية الرئيسية. لذلك يشير اهتمام مزارع الماشية والشركات الغذائية إلى آفاق واعدة لهذه المحاصيل الذكية مناخيًا.

من خلال تعزيز محاصيل مثل الدخن، يمكننا معالجة عدة تحديات في آن واحد: تعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ، ودعم المزارعين الصغار، والمساهمة في تحقيق أهداف الصحة والتغذية. تعتبر هذه المبادرات ضرورية لتحقيق التنمية المستدامة في واحدة من أكثر المناطق ضعفًا في مصر.

م.م. مرتضى شعيت

مرتضى حليم شعيت الصالحي، باحث وأكاديمي عراقي متخصص في العلوم الزراعية وعلوم الحياة. حاصل على شهادة البكالوريوس في العلوم الزراعية (2018) والماجستير في فيزياء التربة (2023). أعمل كمدرس مساعد في قسم علوم الحياة والبيئة، وأشغل منصب مسؤول شعبة الإحصاء في جامعة البصرة. خبير في تحسين الترب الزراعية، الزراعة المائية، وصناعة الأسمدة العضوية. أسعى من خلال عملي إلى دعم البحث العلمي وتطوير حلول مستدامة في القطاع الزراعي، بما يخدم الأكاديميين والمجتمع الزراعي على حد سواء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى