التلوث البيئي : كتاب شامل ومفصل عن اساسيات تلوث البيئة
التلوث البيئي
إن تعبير التلوث البيئي الذي استعمل بكثرة في العقود الأخيرة فيقصد منه جميع النفايات الكيميائية السامة التي يلقيها الإنسان إلى المحيط البيئي. فضلا عن تلك المواد التي لا تشكل خطرا على الكائنات الحية ذاتها بل قد تؤدي إلى الإخلال بالتوازن البيئي. ونظرا لتزايد الاهتمام المحلي والعالمي بموضوع التلوث البيئي. يفقد تعددت النصوص التي وضعها المختصون للتعريف بهذه المشكلة البيئية وبيان مخاطرها وتداخلاتها ورغم هذا التعدد فإن جميع النصوص تلتقي عند أساسيات الفهم لمشكلة التلوث البيئي.
التلوث البيئي هو التحوير غير المرغوب في مفردات الطبيعة كليا أو جزئيا كمحصلة لفعل الإنسان. وذلك من خلال التأثير المباشر أو غير المباشر في القوانين التي تتحكم بتوزيع الطاقة. يسبب مستويات الإشعاع التركيب الكيمياوي والفيزياوي الموجودات الطبيعة وانتشار الكائنات الحية ان هذه التحويرات يمكن ان تؤثر في الإنسان مباشرة أو من خلال التأثير في (المنتجات الزراعية، والماء والمنتجات الحيوية). ويؤثر التلوث البيئي في الإنسان من خلال تغيير الموجودات المادية التي يمتلكها أو احتمالات إعادة تشكيل محيطه البيئي وإفساد جمالية الطبيعة وإتلافها.
تاريخ التلوث البيئي
إن تاريخ التلوث البيئي يعكس تاريخ التقدم التقني. ظهرت مسببات التلوث البيئي في المرحلة التاريخية التي حدث فيها استيطان المجاميع البشرية في المجتمعات الزراعية بعد اكتشاف الزراعة. ومن ثم تكوين نواة المدينة إذ بدأ النمو السكاني أول مرة في تاريخ الإنسان يزداد بسرعة وأصبحت الكثافة السكانية كبيرة جدا. ومع ذلك بقيت مصادر التلوث محدودة جدا. وضمت تلك المصادر في البداية الكائنات الحية الدقيقة الملوثة للمياه. بسبب تصريف الفضلات المحلية فضلا عن بعض المعادن السامة التي يتم التعامل معها بشكل بدائي والتي لم تكن تشكل إلا مصدراً ثانوياً ضئيل الأهمية.
وخلال القرون التي تلت هذه المرحلة وحتى بداية الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر. كانت مشكلة التلوث قضية ثانوية ومحدودة جدا. ولم تظهر هذه المشكلة بشكل منظور وملموس حتى منتصف القرن الثامن عشر إذ بدأ تلوث المياه والهواء. وفي بعض الأحيان التربة أيضا. وأصبحت هذه المشكلة تحظى بالإهتمام المحلي للمناطق التي تقع حول المناجم ومراكز التعدين. وفي المدن الكبيرة الصناعية المكتظة بالسكان على إثر الهجرة من الريف إليها جريا وراء مغريات المدينة حيث التصنيع وفرص الحصول على مدخلات مادية أفضل.
ومهما تكن أهمية مشاكل التلوث. فان أيا منها لم يشكل خطرا كبيرا على البيئة كما سبته التقدم التقني الحديث والنمو المطرد خلال العقود الأخيرة في الصناعة وتعاظم فضلات المدن وتراكمها. فضلا عن ضخ المواد الحديثة والسامة جدا إلى الهواء والماء والتربة. كما أن تلك المركبات السامة جداً، والتي لا تعالجها آلية التحلل الحيوي أحيانا ولا تتأثر حتى بعملية التحطم الفيزيائي والكيميائي. تعد تحدياً خطيراً لحياة الكائنات الحية ووجودها في بيئتها ومنها الإنسان بوجه خاص. ومن تلك المركبات والمواد ما تم إنتاجه خلال التطور الهائل في حقل الكيمياء العضوية والصناعة النووية بشقيها السلمي والحربي.
فكرة عامة عن تأثير الملوثات البيئية
تحدث الملوثات تأثيرات مختلفة في الإنسان والحيوان والنبات إذ أنها تسبب الأمراض. أو الضرر القاتل للإنسان والحيوان أو النباتات التي تصاب بالتقزم ويتعطل نموها. كما وتسبب الملوثات أضرارا في الموجودات غير الحية. ومن أمثلة ذلك تأكل المعادن أو زوال ألوان الأصباغ أو تأكل واجهات البنايات والتماثيل في الشوارع والساحات العامة في المدن الملوثة.
إن تأثير الملوثات قد يكون محليا مقتصرا على منطقة محددة كما في حالة إنتاج غاز CO2 في الطرق والشوارع المكتظة. وكذلك الاتفاق في داخل المدن. وقد تكون مشكلة التلوث كونية في اتساعها كما هو الحال في إنتاج وزيادة نسبة غاز ثنائي أكسيد الكربون في الغلاف الجوي المسبب الرئيس المشكلة الاحتباس الحراري. إحدى الصفات المهمة للملوثات البيئية هي مقدرتها على التفاعل بعضها مع البعض. أو التفاعل مع مواد ومركبات أخرى في المحيط البيئي.
إن تجميع الملوثات قد يحدث تأثيرات أكثر أو أقل من مجموع تأثيرات الملوثات كل على حده. قد تمتد تأثيرات الملوثات إلى مناطق أبعد من تلك التي انطلقت منها أو ألقيت فيها. لان هذه المواد الغريبة عن البيئة يمكن أن تنتقل عن طريق الهواء أو الماء إلى مسافات كبيرة قد تتجاوز المنطقة الجغرافية المحددة أو حتى حدود قارة واحدة.
وقد يوجد عدد من الملوثات في المحيط البيئي بتراكيز قليلة لا تسبب ضرراً مباشراً. ولكن تعرض الكائنات الحية لهذه الملوثات بتلك النسب البسيطة مدة طويلة. يمكن أن يؤدي إلى إحداث حالات مرضية وكذلك الموت، وتدعى هذه الحالة بالتأثير البطيء أو الطويل الأمد.
المواصفات الأساسية للملوثات البيئية
تشترك الملوثات البيئية بمجموعة من المواصفات التي يمكن أن نوجزها بما يأتي:
كون مصدر التلوث طبيعياً أم صناعياً
كانت معظم الملوثات البيئية تقع ضمن مجموعة الملوثات ذات المصدر الطبيعي وذلك قبل بدء التطور والثورة الصناعية بمراحلها المختلفة، ولكن النشاط البشري المتزايد وعمله الدؤوب لاستغلال الموارد الطبيعية وتكييفها لصالحه أدت إلى تزايد المصادر غير الطبيعية للعوامل الملوثة وعلى هذا الأساس يمكن تقسيم الملوثات إلى طبيعية المصدر أو صناعيته.
ومن أمثلة الملوثات ذات المصدر الصناعي بشكل كامل المواد المستعملة لمقاومة الآفات الزراعية مثل DDT وباراثايون وغيرها. فضلا عن مركبات المعادن الثقيلة كمركبات الرصاص في الغلاف الجوي والبقع الزيتية في المحيطات والفوسفات في مياه الأنهار والبحيرات. ومن بين المركبات التي تعد ملوثات بيئية ذات مصادر طبيعية. في الأصل هي المركبات الهايدروكاربونية في الغلاف الجوي وأكاسيد الكبريت. فضلا عن الإشعاع الكوني الذي يعد ملوثا فيزيائيا.
تركيز الملوثات البيئية
يعبر عن تركيز المواد الملوثة عادة بالعلاقة الجزئية بين المادة الملوثة والبيئة التي توجد فيها. ويستعمل التعبير المتعارف عليه بجزء من مليون جزء (ppm) من السائل أو الغاز أو المادة الصلبة. ويعبر عن هذا التركيز في حالة الغازات بجزء من مليون جزء حجماً. وفي حالة السوائل والمواد الصلبة يعبر عن التركيز بجزء من مليون جزء وزناً أو بالنسبة المئوية Percentage.
فضلا عما ذكر. لقد أصبح اعتياديا التعبير عن تركيز الملوثات في الهواء كالغازات أو الجسيمات بوحدات المايكروغرام في متر مكعب من الهواء 3g تحت درجة حرارة الصفر المئوي وضغط مقداره 760 ملم زئبق.
وعند إلقاء نظرة على هذه القيم المتناهية في الصغر قد يتبادر إلى الذهن أنها ليست ذات أهمي. ولكن هذه التراكيز المنخفضة تعني الكثير عندما نتحدث عن مركبات سامة جدا لمكونات الحياة والأنظمة الحيوبية. فعلى سبيل المثال:
- (1) جزء من مليون جزء فينول في الماء بعد سأما ومسببا لموت أنواع من الأسماك.
- (0.2) جزء من مليون جزء (SO2 في الهواء) قد سبب في بعض مناطق العالم ارتفاعا في معدلات الوفيات.
- (0.02) جزء من مليون جزء من مركب Peroxy benzoyl nitrate في الهواء تؤدي إلى أحداث أضرار شديدة وتهيجات في العين.
- (0.001) جزء من مليون جزء من مركب فلوريد الهيدروجين (HF) في الهواء. يؤدي إلى أحداث أضرار على أشجار الخوخ.
حركة الملوثات في البيئة
هنالك عدد من الدلائل الثابتة عن حركة الملوثات في البيئة بشكل يؤدي إلى انتشارها من مناطق تكونها إلى مسافات كبيرة ومساحات شاسعة. وفي بعض الأحيان يمكن أن تغطي بعض الملوثات مساحات كبيرة من عموم سطح الكرة الأرضية كما هو الحال في التلوث الناجم عن التفجيرات النووية أو حوادث المفاعلات النووية وخلال مدة تتراوح بين عدة أسابيع وبين عدة اشهر.
ومن الأمثلة التي درست بكثير من الاهتمام هو الإنتشار الواسع للمركبات الكيميائية المستخدمة في مقاومة الآفات الزراعية أو البيطرية مثل DDT . إذ ان كميات منه وجدت في الأصقاع البعيدة جدا في القطب الشمالي رغم أن هذا المركب لم يستعمل هنالك في أي وقت سابق. ولذلك كان التفسير الوحيد هو انتقال هذه المركبات مئات أو آلاف الكيلومترات عن طريق الهواء. وقد تنقل كذلك عن طريق المسطحات المائية لاسيما في الأنهار التي توصلها في أساسيات التلوث البيئي 31 حركة مياهها إلى مناطق بعيدة عن موقع استعمالها حتى تصل إلى مواقع مصباتها في البحار والمحيطات.
النفايات والتلوث البيئي
إن معظم أنواع التلوث تحدث عن طريق الحاجة إلى التخلص من النفايات التي يمكن أن تعرف بأنها أما (غاز أو مادة صلبة أو مادة سائلة). يتم التخلص منها لعدم حاجة المالك أو المعمل أو المصنع إليها. وعند إلقاء النفايات في الأرض أو عليها أو في المياه، أو اطلاقها إلى الغلاف الجوي. فإن ذلك سيؤدي إلى تلوث عناصر البيئة المختلفة حتما. إن جميع خطوط الصناعة فضلا عن النشاطات البشرية تنتج نفايات والعلاقة بين الإنتاج والاستهلاك تظهر في الشكل (1-1).
ومن خلال دراسة هذا الشكل يمكن ملاحظة إن جميع النفايات لا بد أن تلقى في عناصر البيئة. ويدخل قسم من النفايات ضمن عملية إعادة التدوير Recycling كما هو الحال في المعادن والزجاج والأوراق والمطاط والكيميائيات. إن عملية إعادة الاستعمال تؤدي إلى خفض نسبة النفايات الملقاة في البيئة تشمل دراسة مشكلة النفايات معرفة نوعيتها وكذلك طريقة إلقائها في واحد أو أكثر من عناصر البيئة. وهذه المتغيرات يمكن أن توضح من خلال الشكل (1-2).
إن هذه النفايات تعد مصدراً مستمراً ومتزايداً لتلوث الهواء، وقسم منها يعود في النهاية إلى سطح الأرض أو إلى المسطحات المائية أو إليهما معا. وبسبب تسرب المواد الكيميائية منها إلى الممرات والمسطحات المائية يحصل تلوث المياه في الطبيعة.
وهنالك نفايات أخرى صلبة وسائلة تصنف بشكل مستقل لأنها تحتوي على مواد مشعة Radioactive materials. وتحتاج إلى عملية التخلص منها بدفنها أو إبعادها عن احتمالات إحداث الضرر. وذلك باعتماد كل احتياطات الأمان لحماية الإنسان والبيئة على حد سواء. ونظرا لما تشكلة النفايات ودورها الرئيسي في التلوث فإن ادارتها من خلال صيغ فاعلة تعد مسألة حيوية لخفض معدلات التلوث. ومن ثم الافادة المبرمجة من أجزاء مهمة من مواد النفايات. اذ يقع منع القاء هذه المواد الى أجزاء البيئة على التوالي في قمة هرم الادارة تلك ( الشكل 1-3).
تأثيرات التلوث البيئي
بعد التلوث بسبب النفايات مشكلة حقيقية ناتجة عن وجود النفايات في البيئة وكذلك كمحصلة لطرق إدارة النفايات وتشمل المواد التي توجد في النفايات المنزلية، والتي تحدث تلوثا بيئيا، النضائد Batteries الدهون، وأنابيب الفلورسنت. وتحظى النفايات التي تتحلل بفعل الكائنات الحياة الدقيقة باهتمام خاص لأنها تنتج عند تحللها في مواقع الطمي غاز الميثان وهو من الغازات المسببة للاحتباس الحراري Global warming.
كما وإن إلقاء النفايات إلى البيئة بشكل غير صحيح لاسيما في المواقع العامة داخل المدن والقصبات يعد الصيغة الأكثر ممارسة وانتشارا للتلوث بالنفايات الصلبة. ولقد سنت كثير من دول العالم الصناعية أو الدول المصنفة ضمن دول العالم الأول والثاني قوانيناً لمحاسبة من يقوم بتلويث البيئة بتلك النفايات عمدا أو غير عمد، بينما ما زالت هذه المشكلة وآثارها البيئية والصحية غير محسومة في كثير من دول العالم الثالث أو الرابع أي الدول النامية وغير النامية.
إدارة مشكلة النفايات
إن أساليب وصيغ إدارة هذا الموضوع تختلف من بلد لآخر لاسيما إذا تمت المقارنة بين الدول المتطورة وبين الدول النامية. كما تتباين تبعا لموقعها ضمن الدولة الواحدة أي فيما إذا كانت في المناطق المدنية أم في الريف. ويشمل التباين طبيعة مصادر النفايات إن كانت من مناطق سكنية أم كانت صناعية المصدر. ومن المعروف في أغلب الدول المتقدمة وبعض الدول النامية. تكون مهمة التخلص من النفايات غير الخطرة في المناطق السكنية أو المنشات ضمن مسؤولية الإدارة الحكومية المحلية. بينما تتكفل الجهات الصناعية والتجارية بمسؤولية النفايات غير الخطرة.
اقرأ ايضا: التغيرات المناخية وتأثيراتها على الموارد المائية والزراعية.