بحوث

كيفية التمييز بين الحنطة والشعير

التميّز بين الحنطة والشعير ليس مجرد مسألة زراعية عابرة، بل هو مفتاح لفهم عمق التنوع الغذائي، والتوازن البيئي، والاختيارات الاقتصادية في الزراعة الحديثة. ففي خضم التغيرات المناخية، وازدياد الحاجة للأمن الغذائي، تبرز أهمية التفرقة الدقيقة بين هذين المحصولين العريقين. ورغم تشابههما الظاهري، إلا أن الحنطة (القمح) والشعير يختلفان في خصائص النمو، والقيمة الغذائية، والاستخدامات الصناعية، بل وحتى في التأثيرات على التربة والبيئة الزراعية المحيطة. في هذه المقالة، نستعرض بشكل علمي ومفصل أوجه التميز بين الحنطة والشعير، مدعومين بأحدث الأبحاث والممارسات الزراعية، لنمنح القارئ فهماً معمقاً يمكّنه من اتخاذ قرارات أكثر وعيًا في مجالات الزراعة والتغذية والتنمية المستدامة.

مقال مهم ومبسط عن كيفية التمييز بين الحنطو والشعير

المقدمة:

تعتبر الحنطة والشعير من أهم الحبوب التي يتم زراعتها واستهلاكها على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من أنهما ينتميان إلى نفس الفصيلة النباتية ويشتركان في بعض الصفات المشتركة، إلا أنهما يختلفان في عدد من الجوانب. في هذه المقالة، سنتناول كيفية التمييز بين الحنطة والشعير من حيث الصفات والاختلافات الأساسية بينهما. 

صفات الحنطة:

الحنطة، المعروفة أيضًا باسم القمح، هي إحدى أهم المحاصيل الغذائية في العالم. وتتميز الحنطة بالصفات التالية: 

1. النبات: ينمو نبات الحنطة بشكل عمودي ويتفرع ليشكل ساقًا قائمًا. يتميز بأوراقه الطويلة والضيقة والمرتبة حول الساق.

2. السنابل: تنتج الحنطة سنابل تحتوي على حبوب القمح. تتميز السنابل بطولها وتجمعها في رؤوس أو “سيقان” تتشابه في الشكل والحجم.

3. الحبوب: تتميز حبوب الحنطة باللون الأصفر أو الأبيض. وتحتوي الحبوب على طبقات متعددة من الأغشية الجافة التي تحتوي على الأملاح الغذائية.

صفات الشعير:

الشعير هو أحد الحبوب الرئيسية التي تستخدم في صناعة الخبز والإنتاج الحيواني. وتتميز الشعير بالصفات التالية:

1. النبات: ينمو نبات الشعير بشكل أقصر وأكثر كثافة مقارنة بنبات الحنطة. يتميز بأوراقه العريضة والمسطحة التي تنمو حول الساق بشكل متقطع.

2. السنابل: تنتج الشعير سنابل تحتوي على حبوب الشعير. تتميز السنابل بشكلها المدور وحجمها الأصغر مقارنة بسنابل الحنطة.

3. الحبوب: تتميز حبوب الشعير بلونها البني الداكن. وتحتوي الحبوب على طبقة خارجية سميكة تعرف باسم “القشرة”، والتي تحتوي على الألياف النباتية والعناصر الغذائية. 

الاختلافات بين الحنطة والشعير:

بالإضافة إلى الصفات المذكورةأعلاه، هناك اختلافات أخرى بين الحنطة والشعير تتضمن:

1. الاستخدامات: تستخدم الحنطة بشكل رئيسي في صناعة الخبز والمعجنات وتحضير السيريال والباستا والمعكرونة. بينما يستخدم الشعير بشكل أساسي في صناعة الجعة والمشروبات الكحولية وبعض الأطعمة الأخرى مثل الشعيرية والعلف للحيوانات.

2. القيمة الغذائية: تحتوي الحنطة على نسبة عالية من النشويات والبروتينات والألياف الغذائية والفيتامينات مثل فيتامين ب وفيتامين E. بينما يحتوي الشعير على نسبة أعلى من الألياف والمعادن مثل الحديد والمغنيسيوم والزنك.

3. التحمل البيئي: يعتبر الشعير أكثر تحملاً للظروف القاسية مثل التربة الرملية والمناطق الجافة والبيئات ذات درجات الحرارة العالية، بينما يتطلب نبات الحنطة ظروفًا أكثر رطوبة وتربة خصبة.

4. الزراعة: يتم زراعة الحنطة بشكل أكبر وأكثر انتشارًا في جميع أنحاء العالم، بينما يزرع الشعير بشكل أساسي في المناطق الشمالية والأكثر برودة.

أهمية الحنطة والشعير وتحديات الصحة النباتية

تعد الحنطة والشعير من أهم محاصيل الحبوب عالميًا، حيث تسهمان بشكل كبير في تغذية الإنسان. ويتميّز الشعير باستخداماته الواسعة في صناعة المولت (المالت) وأعلاف الحيوانات، بينما تُستخدم الحنطة أساسًا في إنتاج الغذاء البشري.

أنواع الحنطة واستخداماتها

توجد ثلاثة أنواع رئيسية من الحنطة تُزرع لأغراض تجارية:

  1. الحنطة الخبزية (Triticum aestivum):
    تعد الأكثر انتشارًا عالميًا، وتستخدم في صناعة الخبز، الروتي، البسكويت، والمعجنات. تمثل نحو 90% من الإنتاج العالمي. حبوبها شبه صلبة، مما يجعلها مثالية لطحن الدقيق. وهي سداسية الصيغة الصبغية (AABBDD)، ناتجة عن تهجين طبيعي بين حنطة رباعية الصيغة وعشب بري.
  2. الحنطة القاسية (ديوروم) (Triticum durum):
    تزرع بشكل رئيسي لإنتاج المعكرونة. حبّاتها أكبر وأكثر صلابة مقارنة بالحنطة الخبزية، وتشكل نحو 10% من الإنتاج العالمي. تستخدم لصناعة السميد وهي رباعية الصيغة الصبغية (AABB).
  3. الحنطة الإيمر أو الحنطة المغلّفة:
    نوع رباعي الصيغة الصبغية أيضًا، ويشمل أنواعًا مستأنسة مثل Triticum turgidum تحت نوع dicoccum. وتعد أقل شيوعًا تجاريًا لكنها مهمة في بعض المناطق الزراعية.

التهجين الصناعي والترايتيكال

“الترايتيكال” هو نوع سداسي الصيغة الصبغية ناتج عن تهجين صناعي بين الحنطة القاسية والجاودار. ويُستخدم بشكل أساسي كعلف أخضر أو حبوب علفية في المناطق الهامشية. يتمتع بمقاومة جيدة للأمراض وظروف التربة الصعبة، لكنه لا يُستخدم عادة لصناعة الخبز.

التمييز بين الحنطة والشعير

رغم التشابه بين الحنطة والشعير من حيث التركيب العام كمحاصيل حبوب، إلا أن هناك فروقات مهمة بينهما:

  • الحنطة تستخدم غالبًا في الاستهلاك البشري، بينما يُزرع الشعير في الغالب لأغراض صناعية (مثل المولت) وأعلاف الحيوانات.
  • حبوب الشعير غالبًا ما تكون أصغر حجمًا وأكثر تحملًا للظروف البيئية الصعبة.
  • الشعير أكثر مقاومة للأمراض في بعض الظروف الزراعية مقارنة بالحنطة، مما يجعله مناسبًا للأراضي الهامشية.

أنظمة الزراعة وتحديات الموارد

تزرع الحنطة ضمن أنظمة زراعية متنوعة، سواء بشكل أحادي أو بالتناوب مع محاصيل مثل الأرز، فول الصويا، قصب السكر، الذرة، والقطن. ومع تزايد سكان العالم، أصبحت الحاجة ملحة لضمان صحة هذه المحاصيل. إلا أن التحديات مثل نقص الموارد، تقلص الأراضي الزراعية، تغير المناخ، تدهور التربة، والضغوط البيولوجية، تُشكل عقبات أمام هذا الهدف.

الأمراض وتأثيرها على الحنطة والشعير

من أبرز الأمراض التي تصيب الحنطة والشعير هي أمراض الصدأ، والتي سجلت أوبئة في بعض البلدان. ويُعدّ من الصعب السيطرة عليها، خاصة في حالة الأصناف الحساسة والظروف الجوية الملائمة والسلالات الفطرية الشديدة. استخدام الأصناف المقاومة للصدأ هو الحل الأكثر فعالية واستدامة، لكن ظهور سلالات جديدة يجعل تلك الأصناف عرضة للإصابة مجددًا خلال بضع سنوات، مما يستدعي تحسين الأصناف بصفة مستمرة.

أمراض أخرى وتحديات مستجدة

  • البياض الدقيقي: تفاقمت أهميته بسبب فقدان فعالية الجينات المقاومة، ونقص المختبرات لمتابعة السلالات المرضية، مع التركيز الزائد على مقاومة الصدأ دون مراعاة أمراض أخرى.
  • السُموت والبُنْت: تُسبب خسائر في الإنتاج، ويمكن إدارتها بالمبيدات، لكن بسبب طبيعتها المحمولة عبر البذور، فإنها تمثل عائقًا في التجارة الدولية خاصة مع القيود الحجرية.
  • أمراض ناشئة مثل:
    • اللفحة النقطية (Bipolaris sorokiniana)
    • لفحة الحنطة (wheat blast)
    • تبقع الأوراق، تعفن الجذور، مرض القدم السوداء، وغيرها.

هذه الأمراض تؤثر على الحنطة والشعير، لكنها قد تكون أكثر شدة في الحنطة نظرًا لحساسيتها النسبية في بعض البيئات.

النيماتودا وصحة التربة

الديدان الثعبانية (النيماتودا) تعيش في التربة وتضعف نمو النباتات، مؤثرة بذلك على إنتاجية الحنطة والشعير. كما أن استخدام تقنيات الزراعة الحافظة في نظم زراعة الحنطة والأرز أثار تساؤلات حول تأثيرها على الصحة العامة للمحصول. كذلك، زراعة الشعير المستخدم لصناعة المولت تحت ظروف ري عالية وخصوبة مرتفعة يتطلب أساليب مختلفة في إدارة الصحة النباتية.

تغيرات مناخية وتطور مسببات الأمراض

مع ظهور سلالات مرضية مثل Ug99 من صدأ الساق، وانتشار أمراض جديدة كـ “لفحة الحنطة”، ودخول مسببات غريبة إلى مناطق جديدة، إضافة إلى معايير “عدم التسامح” لبعض الأمراض في التجارة الدولية، والتغير في أنماط شدة الأمراض نتيجة التغير المناخي، أصبحت الحاجة ملحة لتطوير استراتيجيات فعالة لإدارة أمراض الحنطة والشعير بصورة متكاملة ومستدامة.

دراسة مقارنة بين الحنطة والشعير

دراسة تتضمن ((ديناميكيات مظهر الأوراق وديناميكيات التفرع في جينات القمح والشعير المزروعة تحت مستويات متباينة من النيتروجين والكبريت عند الزراعة))، مصدر البحث وعنوانه :

Alzueta, I., Abeledo, L. G., Mignone, C. M., & Miralles, D. J. (2012). Differences between wheat and barley in leaf and tillering coordination under contrasting nitrogen and sulfur conditions. European Journal of Agronomy, 41, 92-102.‏

الاستجابة التفاضلية بين الحنطة والشعير في ظهور الأوراق والفرخات تحت ظروف تغذية متباينة

أظهرت الدراسة الحالية أن ظهور الأوراق والفرخات (التفرعات الجانبية) يختلف بشكل واضح بين أصناف القمح والشعير، وذلك عند زراعتها تحت ظروف متباينة من توفر النيتروجين والكبريت في التربة. حيث تبين أن معدل ظهور الأوراق (الفيلوكورن) تأثر فقط باختلاف الصنف، إذ كان الشعير يمتلك فيلوكورن أعلى من القمح، وهو ما يتوافق مع نتائج سابقة (Miralles and Richards, 2000).

تأثير محدود للمغذيات على مراحل النمو الفينولوجي

لم تؤثر التعديلات في مستويات النيتروجين والكبريت على معدل ظهور الأوراق أو على العدد النهائي للأوراق، وبالتالي لم يتغير طول فترة النمو من الإنبات حتى التزهير. وقد لوحظ أن الفروقات الإحصائية في هذا الجانب لم تكن ذات أهمية زراعية تُذكر، وهو ما أكدته دراسات أخرى. رغم ذلك، أشارت دراسات سابقة إلى أن نقص النيتروجين أو الكبريت قد يؤدي إلى تأخير في التزهير، إلا أن تلك النتائج كانت مرتبطة بشدة وطول فترة الإجهاد الغذائي، وهو ما لم يكن حادًا في الدراسة الحالية.

تأثير المغذيات والصنف على ديناميكية التفريع

تأثرت ديناميكية التفريع بشكل ملحوظ بكل من الصنف ومستويات المغذيات. فقد أظهر الشعير معدل ظهور فرخات أعلى بنسبة 30% مقارنة بالقمح، وهو ما يدل على قدرته العالية على التفريع بغض النظر عن الظروف الغذائية.

توقف التفريع: بين استطالة الساق وظروف الضوء داخل الغطاء النباتي

يُعتقد أن توقف التفريع يرتبط إما ببداية استطالة الساق أو بتغير ظروف الإضاءة داخل المجموع الخضري، لا سيما انخفاض نسبة الضوء الأحمر إلى البعيد الأحمر. ووفقًا لدراسة Evers et al. (2006)، فإن توقف التفريع في القمح يحدث عند تجاوز نسبة امتصاص الإشعاع الضوئي (PAR) 40–45% وانخفاض نسبة الضوء الأحمر إلى البعيد الأحمر عن 0.35–0.40. ورغم عدم قياس جودة الضوء داخل الغطاء النباتي في هذه الدراسة، إلا أن استمرار التفريع في الشعير رغم تجاوز مستويات PAR هذه يشير إلى احتمال امتلاكه لحساسية مختلفة عن القمح تجاه الضوء.

تأثير التسميد النيتروجيني والكبريتي على التفريع

أدى التسميد بالنيتروجين إلى زيادة معدل التفريع بنسبة تقارب 23% في كلا المحصولين، وهو ما يتوافق مع نتائج سابقة. ورغم الاعتقاد السائد بأن استجابة الشعير للنيتروجين أقل من القمح، فإن دراسات حديثة لم تؤكد هذا الاختلاف. كما تبين أن إضافة الكبريت عزز من تأثير النيتروجين، وخاصة عند المستويات العالية منه، مما يشير إلى وجود تفاعل بين العنصرين، ويرجّح أن الكبريت ساعد في امتصاص النيتروجين، مما حفز ظهور المزيد من الفرخات.

التوازن بين معدل ظهور التفرعات ومعدل موتها

رغم أن زيادة معدل ظهور التفرعات يؤدي إلى زيادة عددها الأقصى، إلا أن هذا التأثير الإيجابي كان يقابله ارتفاع في معدل موت التفرعات. ومع ذلك، كانت العلاقة بين ظهور وموت التفرعات غير متناسبة، ما جعل العدد النهائي للتفرعات يرتبط بمعدل الظهور الأولي المتأثر بالصنف والظروف الغذائية.

التفرعات غير المنتجة: فائدة أم عبء؟

في بعض الحالات، قد تساهم التفرعات التي تموت لاحقًا في تحسين استخدام الكربون في النبات، إذا أُعيد توزيعه بشكل فعّال. لكن دراسات أخرى أظهرت أن هذا الكربون قد لا يُعاد استخدامه بكفاءة، مما يجعل هذه التفرعات غير مفيدة، بل وقد تكون ضارة، خصوصًا في البيئات التي تعاني من نقص المياه. في مثل هذه البيئات، يصبح وجود عدد كبير من الفرخات غير المنتجة عبئًا على النبات ويقلل من كفاءته في إنتاج الحبوب.

الخاتمة

من خلال مقارنة الحنطة والشعير، يمكننا التمييز بينهما من خلال صفاتهما المختلفة. بينما تتميز الحنطة بشكلها العمودي وسنابلها الطويلة وحبوبها الصفراء أو البيضاء، يتميز الشعير بنموه الكثيف وسنابله المدورة وحبوبه البنية الداكنة. كما يختلف استخدام كل منهما وقيمتهما الغذائية وقدرتهما على التحمل البيئي. إن فهم هذه الاختلافات يساعد في التمييز بين الحنطة والشعير واستخدامها بشكل صحيح في الأغراض المختلفة.

م.م. مرتضى شعيت

مرتضى حليم شعيت الصالحي، باحث وأكاديمي عراقي متخصص في العلوم الزراعية وعلوم الحياة. حاصل على شهادة البكالوريوس في العلوم الزراعية (2018) والماجستير في فيزياء التربة (2023). أعمل كمدرس مساعد في قسم علوم الحياة والبيئة، وأشغل منصب مسؤول شعبة الإحصاء في جامعة البصرة. خبير في تحسين الترب الزراعية، الزراعة المائية، وصناعة الأسمدة العضوية. أسعى من خلال عملي إلى دعم البحث العلمي وتطوير حلول مستدامة في القطاع الزراعي، بما يخدم الأكاديميين والمجتمع الزراعي على حد سواء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى