مياه الصرف الصحي وإستخدام المياه المعالجة في الزراعة
مياه الصرف الصحي وصحة الإنسان ليست مجرد عبارة تتداول في تقارير بيئية أو دراسات صحية متخصصة. بل هي محور أساسي في معادلة البقاء الآمن والعيش الكريم في عالمٍ يواجه تحديات بيئية وصحية المتزايدة، حيث تمثل هذه المياه موردًا غير مستغل يمكن أن يُعزز الإنتاج الزراعي ويُساهم في استدامة البيئة. مع تزايد الضغوط على الموارد المائية العذبة، يصبح من الضروري استكشاف طرق جديدة للاستخدام المستدام لهذه الموارد. وتقديم حلول تتماشى مع التحديات البيئية.
في هذا المقال، سنستعرض فوائد استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة. وكيف يمكن أن تسهم في تحسين جودة التربة والمحاصيل، بالإضافة إلى التحديات الصحية والبيئية المرتبطة بها. كما سنناقش أحدث التقنيات والمعايير التي تضمن استخدامًا آمنًا وفعّالًا لهذه المياه في الزراعة. انضم إلينا في استكشاف هذا الموضوع الحيوي وفهم كيف يمكن لمياه الصرف الصحي المعالجة أن تحدث تحولًا إيجابيًا في القطاع الزراعي وتسهم في تحقيق الأمن الغذائي.
المقدمة
تعتبر مياه الصرف من القضايا البيئية البارزة نظرًا لتركيبتها المعقدة والمتغيرة، والتي تعتمد بشكل مباشر على طبيعة الصناعة المنتجة لها. حيث تحتوي على مواد صلبة، ومواد عضوية مستنزفة للأكسجين (BOD)، ومنظفات وأصباغ، إلى الصناعات الغذائية التي تتميز بارتفاع قيم BOD وCOD والمغذيات والمواد الصلبة العالقة، يتضح التنوع الكبير في نوعية الملوثات. هذه المركبات، سواء كانت عضوية أو كيميائية، تتطلب معالجة خاصة لمنع استنزاف الأكسجين في المسطحات المائية، أو إحداث “الإثراء الغذائي” الذي يضر بالحياة المائية.
أما الصناعات الثقيلة مثل الحديد والصلب والبتروكيماويات والتعدين، فتطرح تحديات أخطر بوجود المعادن الثقيلة السامة، السيانيدات، الأحماض، الزيوت، الفينولات، وغيرها من المركبات الكيميائية المعقدة. هذه الملوثات ليست فقط شديدة السمية للكائنات الحية، بل يمكن أن تغير خصائص التربة والمياه الجوفية بشكل جذري، مسببة تآكلًا وتلويثًا طويل الأمد. وحتى الصناعات الحديثة كالإلكترونيات، تساهم في هذا العبء بإنتاج مياه صرف تحتوي على مواد كيميائية عضوية معقدة ومعادن ثقيلة. كما إن التعامل مع هذه المياه يتطلب فهمًا دقيقًا لكل قطاع صناعي، لتطبيق تقنيات معالجة متقدمة وفعالة تضمن حماية مواردنا المائية والحفاظ على البيئة وصحة الإنسان.
أهمية معالجة مياه الصرف الصحي
إن الهدف من المعالجة المياه الصرف الصحي هو حماية البيئة والصحة العامة وكذلك الموارد المائية من ملوثات الصرف الصحي بإعادة استخدام تلك المياه في الزراعة بدلاً من استخدام المياه الجوفية غير المتجددة خاصة في المناطق الصحراوية.
ولعل أهم مراحل معالجة مياه الصرف الصحي ما يلي:
- معالجة اولية ( ابتدائية ) : حيث يتم إزالة المخلفات والشوائب العالقة وغيرها من الرواسب وهذه المياه لا تستخدم في الزراعة مطلقا.
- المعالجة الثنائية: ويتم خلال هذه المرحلة ترسيب المياه في أحواض كبيرة تسمى أحواض الترسيب. وذلك لفصل المياه الصافية عن الحماه بواسطة المعالجة البيولوجية التقليدية ( الطبيعية) عن طريق إذابة الاكسجين الجوي في مياه المجاري لإنعاش البكتيرياء الهوائية والتي تؤدي إلى فصل المياه وتحويلها إلى مياه + سماد. والمياه الناتجة منها تستخدم في الزراعة في الري المقيد فقط (ري جميع أنواع المحاصيل باستثناء الخضروات والمحاصيل الدرنية والنباتات التي تلامس ثمرتها المياه المعالجة سواء كانت تؤكل طازجة أو مطبوخة).
- المعالجة الثلاثية: تتم باستخدام وحدات معالجة وتطهير وترتفع فيها كفاءة المعالجة إلى %٩٩ حيث تنخفض فيها مؤشرات التلوث بالمواد العضوية القابلة للتحلل البيولوجي. وكذلك تتخفض تركيزات عنصري الفسفور والأزوت إلى قيم تسمح بها المواصفات الدولية. كما يمكن للمزارع الوصول للمعالجة الثلاثية في الحقل عن طريق وحدات معالجة وتطهير إضافية توضع في المزرعة المستفيدة من المياه الثنائية والمياه الناتجة عنها تستخدم في الري غير المقيد (ري جميع المحاصيل دون استثناء).
ماهي الاختبارات والتحليل بعد المعالجة؟
الاختبارات والتحاليل التي تتم على المياه المعالجة قبل ضخها للمزارع :
هناك العديد من التحاليل والاختبارات التي تجري على المياه المعالجة قبل ضخها إلى المزارعين. ففي مدينة الرياض مثلا تقوم شركة المياه الوطنية بفحص وتحليل المياه المعالجة قبل تسليمها للإدارة الوطنية لري. والتي بدورها تجري عليها العديد من الفحوص والتحاليل الكيميائية والفيزيائية والبيولوجية للتأكد من مطابقتها للمواصفات والمعايير المحددة للمعالجة الثنائية على الأقل قبل ضخها للمزارعين.
كما يتم في المختبر إجراء تحليل للخواص الفيزيائية والكيميائية للتربة بالمزارع المستفيدة من المياه المعالجة لتقييم أثار استخدامها على المياه والتربة والنبات.
فوائد استخدام المياه المعالجة في الزراعة
استخدام المياه المعالجة بجانب كونه يوفر مصدراً دائماً متجدد لمياه الري إلا أن له العديد من الميزات الإيجابية ومنها :
- المياه المعالجة تعتبر مصدر للعناصر الغذائية الاساسية اللازمة للنبات وخصوصا ( النتروجين، الفسفور، البوتاسيوم).
- المياه المعالجة تعتبر مصدر للعناصر الغذائية الصغرى مثل (الزنك المنجنيز ، الحديد).
- المياه المعالجة تحسن من خواص التربة من ناحية النفاذية وخصوصاً في الترب الرملية .
- المياه المعالجة تحسن قدرة التربة على حفظ المياه.
- المياه المعالجة ذات محتوى منخفض من الاملاح مما يجعلها مناسبة للكثير من المحاصيل
- المياه المعالجة ذات مردود إقتصادي جيد . وتسهم في خفض تكاليف الانتاج الزراعي وبالتالي ارتفاع الارباح للمزارع وانخفاض الاسعار للمستهلك .
- طريقة أمنة وصحية للتخلص من مياه الصرف الصحي بمنع وصولها للمياه الجوفية.
ارشادات بعد معالجة مياه الصرف الصحي
ارشادات واحتياطات يجب اتباعها عند استخدام المياه المعالجة ثنائيا :
- للمزارع
- التعامل بحذر مع المياه المعالجة وعدم التلامس المباشر معها.
- استخدام القفازات والأحذية ذات الرقبة الطويلة عند الري.
- توفير مكان نظيف به مياه نقية لفترات الراحة والأكل أثناء العمل.
- أتباع الارشادات الصحية الخاصة بإستعمال المياه المعالجة.
- داخل المزرعة
- عدم زراعة أي خضار أو محاصيل درنية سواء كانت تؤكل نيئة أو مطبوخة على المياه المعالجة.
- عدم زراعة الأشجار التي تلامس ثمارها التربة.
- الالتزام بوضع المسافات النظامية بين المزروعات المروية بالمياه المعالجة والمزروعات المروية بمياه الآبار.
- استخدام طرق الري المناسبة لكل محصول .
- استخدام طرق الري الحديثة.
- ترشيد إستهلاك مياه الري لمنع تسرب المياه المعالجة الى المياه الجوفية.
- ايقاف الري بالمياه المعالجة قبل الحصاد بفترة كافية .
- منع الرعي المباشر للحيوانات على الاعلاف المروية بتلك المياه.
- منع تكون المستنقعات وتكاثر الذباب والبعوض والحشرات الأخرى .
- التقيد بجميع الإرشادات والتعليمات الصادرة من وزارة الزراعة
- تمييز الانابيب الناقلة للمياه المعالجة عن غيرها من الأنابيب بلون محدد أو بأشرطة تحذير واضحة.
- وضع لوحة بالمزرعة يكتب عليها ( تحذير – مياه صرف صحي معالجه – للري فقط ) .
تجارب بعض الدول لاستخدام المياه المعالجة
مع تزايد الطلب على المياه المعالجة قامت دولاً كثيرة وخصوصا الدول المتقدمة بالاستفادة من هذه المياه. حققت الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية انجازا كبير في هذا المجال وذلك بالاستخدام الكامل لتلك المياه بعد معالجتها. وفي ماليزيا تتم زراعة ١٠ ألاف هكتار كما يتم في الصين استخدامها في ري ٣٣٠ ألف هكتار. وفي الاردن يتم استخدام ١٠٠٪ من مياه الصرف. أما سلطنة عمان فلديها تجربة فريدة من نوعها حيث تقوم بمعالجة ٢٠ ألف م3 من المياه يوميا ثم يتم ضخها في الخزانات الجوفية .
اما في السعودية فهناك العديد من محطات معالجة مياه الصرف الصحي الثنائية والثلاثية والمنتشرة في المدن والمجمعات السكنية والصناعية. ولعل أفضل الامثلة على استخدامات المياه المعالجة ما تقوم به وزارة الزراعة. والتي بدأت بتشغيل مشروع مياه المشاريع الزراعية في عام ١٤٠٠ هـ كأول مشروع للإستفادة من المياه المعالجة للمزارع حول مدينة الرياض بكل من محافظة الدرعية و ديراب والتي كانت تعاني من نقص المياه الجوفية ومعرضة للجفاف .
رسالة ماجستير بعنوان : تأثير الري بمياه الصرف الصحي المعالجة في مدى تلوث التربة تحت مستويات مختلفة من التسميد النتروجيني لمحصول الذرة الصفراء
الخلاصة
إن الري بمياه الصرف الصحي المعالجة أحد الحلول غير التقليدية التوفير موارد جديدة للمياه للاستخدامات الزراعية. وهو المصدر الوحيد الذي يتزايد بزيادة السكان وليس العكس كما يحصل للموارد الأخرى والتي يتم استنزافها ونضوبها مع زيادة الاستخدام. لذا فيجب أن يحسن استغلال ذلك المصدر وصولاً الى الاستدامة الزراعية.