الكائنات الحية مخلوقات متنوعة قدر لها أن تتواجد على هذه الأرض جنبا إلى جنب معنا، منها المفيد ومنها الضار ومنها مترافق العيش ومنها الذي يعيش حياة بينية أو مستقلة. وبسبب السيادة الواضحة للإنسان على سطح الكوكب غالبا ما تجري الدراسة وتتجه العلوم النظرية والتطبيقية منها باتجاه دراسة الظواهر حسب علاقتها به وبالكائنات الحيوانية والنباتية المفيدة له. ومن هنا يحدد الإنسان والباحث والمراقب مواقفه من الكائنات بحسب موقعها من تلبية مصالحه أو درجة فائدتها وضررها في حياته ونشاطه الحي إلى طفيلية وغير طفيلية.
الطفيليات : تعرف على الكائنات الطفيلية
تقسيم الكائنات إلى طفيلية وغير طفيلية
الكائنات تبعا لهذا التقييم البشري قد تكون مفيدة وقد تكون ضارة. وبالفعل فهناك العديد من الكائنات الدقيقة وحيدات الخلية وعديداتها تلعب دورا بالغ الاهمية لفائدة الإنسان، وأخرى على العكس من ذلك، ولا تقتصر الفائدة على التربة مجال فعل الإنسان وحسب بل تتعداها إلى النبات والحيوان كثير من الكائنات المذكورة مفيدة للزراعة وتزيد الإنتاجية، منها ما هو غذاء للطيور والحيوانات ومنها ما هو مصدر لانتاج المضادات الحيوية، وكثير منها ضروري التصنيع الألبان والاجبان، ونسجل هنا الفضل لبعضها المحللة والمؤكسدة التي تنشط في عملية إعادة التوازن البيئي. وفي المقابل هناك الوجه الآخر الضار – المظلم الكتيب – الذي ينعكس في نشاط هذه الكائنات فيجلب الضرر للاقتصاد وصحة الإنسان والحيوان والنبات على حد سواء.
ماذا تسبب الطفيليات؟
كثير من الطفيليات هو سبب في ظهور وانتشار الأمراض الخطيرة والعدوى الوبائية ومنها :
الحميات الراشحة والملاريا، والحمى الصفراوية، والتيفويد، والأمراض الجلدية والأمراض الخبيثة – كالسل والسرطانات والايدز وشلل الأطفال والجمرة الخبيثة بالإضافة إلى أمراض فقر الدم والقصور الكلوي والنحول الجسمي… وغيرها … ولاشك أن الطفيليات تتعدى التأثير على الإنسان مباشرة، لتطال ما هو ذو أهمية لديه النباتات والحيوانات التي يتجه نشاطه إليها .
تسبب الطفيليات العديد من الأمراض لها وأحيانا تكون كارثية. هكذا نجد المفيد والضار. ووفقا لهذا المنظور يمكن تقسيم الكائنات موضوع دراستنا هذه حسب تطفلها إلى:
طفيليات تطفل على النباتات – Phyto-parasitic
طفيليات تطفل على الحيوانات – Zoo-parasitic
إذ تعتبر هذه الكائنات الحاضن – العائل لهذه الطفيليات – قد تعيش هذه الطفيليات ولفترة طويلة على النباتات والحيوانات ولا تحدث أي ضرر لها، وقد تعيش متطفلة عليها وتحدث لها أفدح الأضرار وعندها تسمى الطفيليات المرضية Pathogenic. ويتلخص ضررها بالتالي:
تقاسم الطفيلي الأغذية مع العائل.
تغذية الطفيلي على أنسجة العائل.
إتلاف أنسجة العائل. تأثير الإفرازات السامة على صحة العائل.
نقل العدوى من عائل إلى آخر وبطرق : مباشرة – غير مباشرة – وراثية.
مفهوم التطفل وبيئة الطفيليات
من الصعب حسم الجدل الدائر أو الذي دار سابقا حول حقيقة منشأ التطفل هل بدأ من الحياة الحرة الطليقة إلى نوع من التطفل ؟ أو العكس ؟ وأي من الطفيليات أسبق في الظهور الطفيليات الخارجية أم الداخلية ؟ والاجتهاد في المسألة مثير، ومن المؤكد القول أنه ليصبح الطفيلي متطفلا على كائن ما لابد من وجود ذلك الكائن قبل الطفيلي أصلا، ومن المؤكد كذلك أن التطفل الخارجي سبق في ظهوره التطفل الداخلي ومنطق التكيف من حياة طليقة إلى شكل التطفل الخارجي، أسهل من التكيف من حياة طليقة إلى حياة تطفل داخلية.
وإذا حاولنا تعقب الطفيليات في الشعب الحيوانية من غير الفقاريات مثل شعبة الديدان ومفصليات الأرجل والقشريات والأسماك والحشرات والعنكبيات والرخويات، لوجدنا بعضها طليق حر الحياة وبعضها الآخر غير طليق، ولكنه يمر بحاضن ما أو وسيط، وبعضها يتطفل على المحاصيل الزراعية، أو على الحيوانات على اختلاف مواقعها في التصنيف.
وإذا ذهبنا أبعد من ذلك نجد أن غالبية الفقاريات وعدد منها طفيليات تعيش حياة حرة طليقة.
الطفيل: هو كائن يعتمد في حياته وغذائه على نواتج نهائية أو وسيط (طرف آخر) هو العائل. وعليه فالطفيل غير قادر على صنع غذائه بنفسه ويعيش عالة على غيره داخل جسم أخر أو على سطحه، فهو أقل حجما وأصغر مقدارا ورغم ذلك فهو يسبب للعائل ضررا وبأشكال مختلفة ومتفاوتة.
والتطفل هو علاقة تنشأ بين الطفيل والعائل ذات نفع للطفيل وضرر للعائل. ولذلك فان الطفيل هو كائن يعيش عالة على غيره من الكائنات الأخرى الحية ولا يعطي شيئا مما يأخذه وهذا التعريف صحيح إلى حد ما ومن وجهة نظر الإنسان الذي يرى في الطفيليات مصدر أذية وضرر له والنباتات والحيوانات التي يسخرها لقضاء حاجاته، أما من وجهة نظر بيولوجية فالطفيليات هي مخلوقات – كائنات حية – لها نمطها في الحياة وتتبع أساليب عجيبة مبهرة في الحصول على غذائها والحاجات الضرورية لمعيشتها، شأنها في ذلك شأن أي كائن حي.
والطفيليات لها بيئتها وهي ما انفكت تبحث عن أساليب التأقلم والتكيف محاولة التقليل من تأثير تلك البيئات سلبا عليها ، فهي تبتكر أساليبا جديدة لابطال رد فعل مناعة ومقاومة جسم العائل، بطرق منها وراثية ومنها جسدية ومنها كيميائية … الخ . وهكذا فهي متحركة تماما كما الحياة نفسها . وكثير من الكائنات الحية تميل إلى ما نسميه الاتكالية في الحصول على جزء من غذائها وفي الوقت نفسه تنتج جزءا أخرا منه وهذا الجزء يكون لازما لكائن آخر الذي يقدم بدوره قدرا مطلوبا من الغذاء للكائن الأول،
وهنا يحاول العلماء تفسير هذه الظواهر وفق تدرجها على النحو التالي:
المشاركة Sharing
التعايش أو التكافل Symbiosis .
التطفل Parasites
الافتراس .Predation
دورة حياة الطفيليات
إن مسألة فهم دورة حياة الطفيلي بالغة الأهمية، ومن خلال ذلك الفهم يمكننا معرفة كيفية انتقال المتطفل من مضيف إلى أخر، والهام أيضا هو تحديد مراحل العدوى ومتى تحدث؟ وفي أي طور من أطوار دورة حياته؟ مما يساعدنا على تجنب تلك العدوى ما أمكن كل هذه المعارف عن دورة الحياة ضرورية لتحديد الفترة الأفضل لمهاجمة المتطفل بعد تحديد نقاط ضعفه والانقضاض عليه وحرمانه من إتمام وإكمال دورة حياته.
تقسم دورات حياة المتطفلات إلى نمطين: –
دورة حياة مباشرة كما في الانكلستوما .
دورة حياة غير مباشرة كما في الدودة الكبدية.
دورة الحياة المباشرة ينتقل فيها المتطفل من عائل إلى أخر بواسطة اليرقة، التي تتطور إلى طور الدودة البالغة لتضع بيضها المخصب Zygote التي تغادر مع براز العائل الأول لتصيب عائلا آخرا من النوع نفسه في طور اليرقة المعدية نفسها . يطلق على هذا النوع من الحالات تطفل ذات اليد الوحيدة، في هذه الحالة كل هم المتطفل هو البحث عن عائل يقضي حياته فيه. هذا الانتقال من عائل إلى أخر من النوع نفسه دون وسيط هو نموذج دورة الحياة المباشرة.
دورة الحياة غير المباشرة إذا تتبعنا وراقبنا دورة حياة الدودة الكبدية لشاهدنا مثالا واضحا على هذا النوع من الحالات في دورات الحياة . حيث تحتاج إلى أكثر من عائل حسب مراحل وأطوار دورة حياتها المعقدة. فهي تحتاج إلى عائل تنمو وتعيش فيه الديدان وتضع بيضها، وعائل أخر وسيط تتطور في جسده اليرقات ، وعليه فأنها تحتاج إلى عائلين اثنين لاتمام دورة حياتها ، أحدهما هو القواقع والآخر هو العائل الأساسي.
ومن المتفق عليه أن يسمى المضيف الأول الذي يحتضن اليرقات بالمضيف اليرقي، بينما يسمى العائل الثاني الذي تضع الدودة بيضها المخصب فيه العائل الأخير أو النهائي. ومن هنا نرى أن المتطفل لا يستطيع الانتقال مباشرة من عائل نهائي إلى أخر نهائي، بل يحتاج إلى وسيط ينجز فيه أحد أطوار حياته ومن ثم الانتقال إلى عائل نهائي، وهذا يعني أن الانتقال تم بصورة غير مباشرة.
تفيد الدراسات المعمقة لدورات الحياة أنه يمكن للوسيط أن يمثل ما نسميه جسر عبور أو حامل من حوامل عوامل العدوى، وفي هذه الحالة، الوسيط ليس مضيفا بل ناقل للمتطفل أو لاحد أطوار حياته، أي ناقل لشكل من أشكال العدوى. وقد قسم العلماء النواقل للعدوى إلى:
العائل الناقل هو كائن تتواجد فيه بيوض ويرقات المتطفل، وليس بالضرورة أن تتطور تلك فيه، بل تعتبر البيض واليرقات مجرد مسافرين في إحدى عربات ذلك الكائن. وعليه يسمى ذلك الكائن بالناقل فقط. ومثالنا على ذلك الديدان الأرضية التي تنقل يرقات دودة التثاؤب في الدواجن – سنجاموس تراخي Sengamos trachea .
العوائل المتعددة عندما يستطيع المتطفل العيش بسهولة في أكثر من عائل في أكثر من نوع. كما هي الحال لدى ألانت أميبيا هستوليتكا (Entamoeba Histolytica) مسببة الدوسنتيريا الأميبية للإنسان، والتي تصيب الكلاب أيضا . في هذه الحالة تصبح معها هذه الأنواع عوائل متعددة لذلك المتطفل.
العوائل الاحتياطية عوائل المخزن الكائنات من هذا النوع تمثل بالنسبة للمتطفل مكان احتياطي أو مكان للتخزين ليس إلا . ويعني ذلك استطاعة المتطفل العيش زمنا ما في عائل شاذ أو عرضي غير معتاد عندها اعتبر العائل الأخير بمثابة المستودع أو المخزن لذلك المتطفل.
مرتضى حليم شعيت الصالحي، باحث وأكاديمي عراقي متخصص في العلوم الزراعية وعلوم الحياة. حاصل على شهادة البكالوريوس في العلوم الزراعية (2018) والماجستير في فيزياء التربة (2023). أعمل كمدرس مساعد في قسم علوم الحياة والبيئة، وأشغل منصب مسؤول شعبة الإحصاء في جامعة البصرة. خبير في تحسين الترب الزراعية، الزراعة المائية، وصناعة الأسمدة العضوية. أسعى من خلال عملي إلى دعم البحث العلمي وتطوير حلول مستدامة في القطاع الزراعي، بما يخدم الأكاديميين والمجتمع الزراعي على حد سواء.
تعليق واحد